لماذا تنتشر الخرافات و المغالطات الطبية في مجتمعاتنا ؟
مقدمة كتاب ( ألف خرافة و خرافة طبية ) تأليف الدكتور معاوية العليوي …
تنتشر الكثير من المغالطات و الخرافات الطبية في مجتمعاتنا ، منها ما هو موجود منذ زمن بعيد يتوارثها الناس جيلاً بعد جيل ، و منها ما هو جديد العهد لعبت وسائل الإعلام و منصات التواصل الاجتماعي الدور الأبرز في إنتشارها ، فخلال أكثر من عشر سنوات قضيتها في مهنة الطب ، منها عامان و أنا متواصل مع الكثير من الناس و بشكل شبه يومي على مواقع التواصل الاجتماعي كأول طبيب أطفال من حيث عدد المتابعين حول العالم ( أكثر من مليوني متابع ) ، لاحظت الكم الهائل من الخرافات و المغالطات الطبية المنتشرة بين الناس ، فحاولت جاهداً تصحيح الكثير منها ، و كان ينتابني في كل مرة أتناول فيها هذه الخرافات بالنقد و التصحيح شعور بالفرح و السعادة عندما أجد الكثير من الناس قد تصححت أفكارهم حول هذه الخرافة أو تلك ، و أحياناً كان ينتابني الشعور بالغضب و الحزن في الوقت نفسه عندما أجد البعض من الناس و هم يستميتون بالدفاع عن هذه الخرافات و المغالطات الطبية و بكل الوسائل المتاحة و غير المتاحة و لأسباب و حجج مختلفة بعيدة كل البعد عن التحليل العلمي أو الأدلة الطبية الصحيحة .
و قبل أن نبدأ بقراءة الكتاب أجد من الضروري أن نعرف الأسباب التي أدت إلى انتشار المغالطات و الخرافات الطبية و جعلتها حقيقة مقبولة لدى الكثير من الناس ، و خصوصاً بوجود ( ١٠٠١ ) خرافة طبية في ثنيات كتابنا هذا ، و أكثر من ( ١٠٠٠ ) خرافة طبية أخرى في أرشيفي الخاص أفكر جدياً بنشرها في جزء ثانٍ للكتاب .
١- الجهل : إن للجهل و الأمية دوراً كبيراً في إنتشار الخرافات و المغالطات الطبية بين الناس ، بل و التمسك بها و جعلها من الحقائق الثابتة لدى الكثيرين .
٢- مواقع التواصل الاجتماعي : إن الارتباط اللصيق للكثير من الناس بمنصات التواصل الاجتماعي ، و الذي قد يصل إلى حد الإدمان عند البعض ، أدى إلى استغلال ضعيفي النفوس لهذا الأمر بشكل سلبي لنشر المعلومات الخاطئة أو التسويق لمنتجات أو بضائع على أنها ذات فوائد طبية و علاجية للكثير من الأمراض .
٣- نظرية المؤامرة : إيمان الكثير منا بنظرية المؤامرة ستبعد عقولنا عن التفكير و التحليل العلمي ، و تجعلنا نحلل كل ما هو غير مألوف أو لا يواتي مزاجنا على أنه مؤامرة تهدف إلى تدميرنا .
٤- الخداع و التضليل : و هذا ما يستخدمه البعض من الأشخاص أو الشركات للتسويق و الترويج لمنتجاتهم بادعائهم بأن منتجهم يشفي من مرض معين أو يحل مشكلة طبية عويصة يعجز الأطباء عن حلها .
٥- التعميم : كأن يتم تبني نتيجة معينة لحالات طبية قليلة و تُعمم على الجميع ، و هذا شائع في مجتمعاتنا ، فإذا كان جدك المدخن لأكثر من ثلاثين عاماً قد عاش عمراً طويلاً فهذا لا يعني بأن التدخين غير مضر بالصحة .
٦- الحكم المسبق : كأن يرفض أحدهم أخذ دواء أو لقاح معين لأنه سمع من أحدهم بأنه مضر أو يحوي مواد كيميائية خطيرة دون معرفة مصدر المعلومة أو تحليل علمي دقيق لها .
٧- غياب الرقابة الحكومية : إن عدم إتخاذ إجراءات رادعة بحق مروجي بعض المنتجات أو الإشاعات الطبية يساهم في إنتشار المغالطات و الخرافات الطبية .
٨- ضعف الرعاية الصحية : إن عدم تقديم الخدمات الطبية و العلاجية بشكل مثالي للمريض يجعله يبحث عن طرق و أساليب علاجية غير صحيحة مصدقاً للكثير من المغالطات و الخرافات الطبية .
٩- الإعلام : إن قيام بعض وسائل الإعلام أو الفضائيات بالترويج لمنتجات طبية على أساس أنها تنفع في علاج أمراض معينة أو معلومات و أفكار خاطئة لغرض المال أو الشهرة ساعد في إنتشار الكثير من المغالطات و الخرافات الطبية .
١٠- منطق المتتاليين : الكثير من الناس يربط بين حدثين متتاليين بإعتبارهما مترابطين إرتباط السابق باللاحق ، أي تكوين فكرة معينة بالإعتماد على ظاهر الأمور فقط ، و مثال على ذلك الإعتقاد الشائع بأن التسنين عند الأطفال يسبب المرض ، و الحقيقة لا توجدعلاقة بين عملية التسنين و الإصابة بالمرض ( الحرارة أو الإسهال) .
١١- المبالغة : إن المبالغة في عرض بعض الحقائق الطبية سواء لأغراض شخصية أو تجارية يسبب تحولها إلى مغالطات و خرافات طبية .
١٢- البحث عن الإجابات و الحلول السهلة : بسبب تطور الحياة و ضغوطاتها و إزدياد مشاكلنا اليومية ، يلجأ الكثير من الناس للبحث عن الحلول و الإجابات السهلة و السريعة لمشاكلهم الطبية .
١٣- الإرتباط بالعادات و التقاليد : نجد الكثير من الناس حتى المتعلمين منهم يرفضون تغيير قناعاتهم و أفكارهم حول الكثير من المغالطات و الخرافات الطبية لسبب بسيط جداً ، هو أنهم رأوا آباءهم و أجدادهم يقومون بها أو يؤمنون بصحتها .
١٤- الحضارة : إن تعاقب الحضارات في منطقة معينة ، و على مدى آلاف السنين يزيد من تراكم التجارب و المعلومات عند الناس ، و يخلق الكثير من المغالطات و الخرافات حول شتى أمور الحياة الطبية و غير الطبية .
١٥- الإعتماد على مراجع طبية خاطئة : فالدراسات و البحوث الطبية لن يؤخذ بنتائجها إلا إذا تم إعتمادها من هيئات صحية معترف بها عالمياً تتبع جهات حكومية رسمية كوزارة الصحة مثلاً .
و في النهاية ، أرجو من حضراتكم أن تستفيدوا من المعلومات الموجودة في هذا الكتاب ، و أن تعملوا على نشرها لتصححوا الكثير من المغالطات و الخرافات الطبية المنتشرة بين الناس لأنها برأيي أصبحت ظاهرة تستحق منا أن نقف بوجهها و نعالج الأسباب التي أدت إلى إنتشارها بهذا الشكل ، و شكراً ....